صديقي مطلوب الإجابة …. بقلم الأديبة ذكرى البياتي
صديقي مطلوب الإجابة .... بقلم الأديبة ذكرى البياتي
صديقي مطلوب الإجابة
جلست على ضفاف البحر لأعيد ترميم نفسي بنفسي، أنظر إلى أمواج البحر وكأنها تحاكي روحي كي أستجمع قواي التي قتلها الزمان بغدره. بدأت أتذكر ما حدث لي بترتيب الأحداث. كان هو هناك صبية يلعبون بالقرب مني، يمرون بي وأنا واقفة بثبات، لا أتحرك، حتى عيناي لم تعد ترمش. فجأة، جاءتني طفلة صغيرة تطلب مني أن أعيد لها لعبتها الورقية التي علقت في شجرة الورد. نظرت إليها وكأنها علامة تقول لي “استيقظي من هذه الأفكار”، ومدت يدها لتأخذ لعبتها. أعدت لها لعبتها، فشكرتني ب خفيفة على خدي وذهبت مهرولة. لكن تلك القبلة أشعلت ذكرياتي وأعادتني إلى ذلك العمر الذي كنت فيه مفعمة بالحياة.
تذكرتك يا صديقي، فنحن لا نَشيخ، ولكن الحياة هي التي تشيخ أعمارنا. هذا الشيب الذي غزا شعرنا، وهذه التجاعيد التي رسمتها الدموع والجمرات التي حرقت أعيننا، كل دمعة وكل لحظة انكسار وألم طرق بابنا تجعلنا نَشيخ. الحياة صدمتنا، وأبكتنا، وأرعبتنا، والتهمت أمنياتنا. لم أعد أعرف ما بي يا صديقي.
قادني ذلك الشعور إلى الكافيه المفضل لدي أمام البحر، بعيدًا عن كل الأصوات. كنت بحاجة إلى الصمت، رغم الضجيج الداخلي الذي يلازمني منذ زمن. بدأت أسترجع تلك الذكريات منذ كنت في المعهد الذي أكملت دراستي فيه. كنت فتاة قوية بصوت واثق، حريصة على حقوقي، ومتمسكة بشموخي وعزة نفسي. كنت متفوقة في دراستي، ولكن لم تكن لدي تجارب في الحياة سوى تلك المتعلقة بالدراسة والعمل. كنت خجولة، لا أصدق أحدًا، ومرت السنين، عصفت بي الأيام حتى أكملت دراستي الجامعية.
ثم قابلته، هو المختلف عن الجميع. هو الذي قلب موازين مشاعري وكل تقاليد حياتي التي لم يستطع أحد تغييرها. فتح كل الأبواب المغلقة في قلبي وغير كل ما لم أقله، فقلت كل تلك الابتسامات الخفية، وابتسمت. لقد حرك قلبي الذي كان ميتًا، وبات ينبض بعنف. نعم، هو الصديق الذي دخل قلبي ليعبث به دون رحمة. تذكرت كل الكلمات الصغيرة، والحروف المحملة بالحب والشغف، تذكرت كل السهرات والمحادثات الجميلة. نسيت من أنا، ونسيت حتى من أكون. لم أطلب منه شيئًا أبدًا، فقد تعلمت أن الخيبات تأتي ممن أحببناهم.
بدأت الأمور تعود إلى طبيعتها، وتعلمت أن الناس يركضون وراء من يصدهم، ويبتعدون عن من يقترب منهم. وعندما تتقرب منهم، يبدأون في التنمر عليك وسرد القصص الكاذبة. لكن كيف أحب وأشعر بالحب والطمأنينة وأنا في ساحة معركة، والكل حولي ينتظر من منا سينتصر؟ أليس الحب خُلق للطمانينة والهدوء والشعور بالسعادة؟ لم أستطع إيجاد تفسير لكل ما حدث. لكني أدركت أن الحب لا يتجزأ، ومن يتغير ليس بحبيب بل وهم وأكاذيب لا تستحق أن يُحبها أحد.
تعلمت كل ذلك بصعوبة، وللأسف، بدأت أتساءل: هل لنا حق في الحياة مثل كل الناس؟ هل لنا أن نحب دون خداع أو كذب؟ أهذا كثير؟ أم غير معقول؟ أجيبوني، فليرحم أحدٌ روحي التي ما زالت مشتعلة بنار الخداع…
ذكرى البياتي